هي فرصة الحل الأخيرة :
تستند القيم العشائرية النبيلة الى مبادئ راسخة وهي تعد عند الغالبية وخاصة من ابناء المناطق القروية والريفية بمثابة دستور مصدر تشريعه الاعراف والتقاليد المتوارثة التي لا يمكن تجاوزها ,وتشكل (العطوة )احدى اهم القيم الاخلاقية المتعارف عليها ماضيا وحاضرا وهي تعني اعطاء فرصة اخيرة من اجل حل المشاكل سلميا من قبل الطرف المعتدي ومدتها غير محددة كأن تكون اسبوعا او شهراً او يومين غايتها وقوع الصلح بين الطرفين المعتدي والمعتدى عليه وربما تعطى العطوة للطرفين معاً من قبل جهة ثالثة تسمى (الفريضة)احتكم لها الجانبان من اجل تحديد طبيعة الحل السلمي
للقضية.
قوة داعمة
ولا تعني العطوة في العرف العشائري التراجع عن القرار كما يقول الباحث في شؤون القبائل حمزة شطب عباس بل هي قوة داعمة له تشذبه من السلبيات كي يكون مقبولاً. ان الاخرين ينظرون للقضية او المشكلة من عدة ابواب .مثلاً اذا قتل شخص بالخطا شخصا اخر يمكن لذوي الضحية القصاص من القاتل لحظة وقوع الحادث اذا كان القاتل موجوداً لكنهم يعطون عطوة له كأن تكون عشرة ايام عليه من خلالها ان يلملم اوضاعه ويرضي ذوي المجني عليه من خلال (المشية)التي تتطلب تقديم فصل مالي يسمى في الاسلام (الدية)يحدده كبار القوم او انه يعد سانية متبعة بين ذوي الضحية والقاتل وبذلك تكون العطوة فرصة منحت الطرفين الصلح .
اما عباس الحاج عبد السادة وهو فريضة من الفرات الاوسط فقد وصف العطوة بانها الجزء الاكبر من الحل اي عندما يعطي ذوو المعتدى عليه عطوة معنى ذلك ان هناك قبولا في الحل السلمي للمشكلة ومن هنا يكون التحرك سهلاً ويسير على ارضية خصبة لان جميع الحلول مطروحة بالمال او الفصل بالنساء او ان يجلي اي يغادر المعتدي المنطقة لمدة معروفة كأن تكون خمس سنوات لا يراه فيها ذوو الضحية .واوضح ان العطوة تستند الى مبادئ متفق عليها ابرزها عدم حصول اي تجاوز على المعتدي طيلة ايام العطوة ويكون حراً في التحرك باي اتجاه طالما انه يبحث عن حلول اما اذا تجاوزت مدتها فيمكن بعد ذلك القصاص منه اينما وجد .
فراش العطوة
واكد ان العطوة تستند الى مبدأ اخر يدعى بالعرف العشائري (فراش العطوة)وهو مبلغ من المال يدفع عن طريق وسطاء من اهل الجاني الى ذوي المجني عليه تمهيدا للحل السلمي كما لا تخلو الايام المحددة للعطوة من المفاوضات بين وسطاء واهل المجني عليه لغرض بلورة موقف مقبول لدى جميع الاطراف كما يمكن ان تمدد فترة العطوة لكن لمرة واحدة فقط .واشار الى ان العطوة يمكن ان تطلب من ذوي الجاني الذين ياتون الى ذوي الضحية ويطلبون منهم عدة ايام من اجل ارضائهم وهي بالمناسبة لا تحدد في الايام الثلاثة المخصصة لمجلس العزاء وكل ما يفعله اهل الجاني هو القدوم لغرض قراءة سورة الفاتحة ثم مغادرتها معززين سالمين.
مخالفة قانونية
ويرى الباحث الاجتماعي الدكتور زيد محمد عباس ان العطوة وان كانت تقليدا اجتماعيا راسخا عند البعض لكنها في نظر البعض الاخر تعد مخالفة للقانون كونها تعطي فرصة للجاني للافلات من قبضة العدالة وهي ترقيع للمشكلة خارج الثوابت القانونية التي تحكم علاقة الافراد .واشار الى ان الحياة تتطلب فرض قوة وارادة واحدة يحترمها الجميع وهي هيبة الدولة المتمثلة بالقانون القضائي الذي يوقف التجاوزات مهما كان نوعها لان الحل الذي يفرض بسبب العطوة ربما يكون على حساب اشخاص كما يحصل في الكثير من المواقف في ان تزف شابة الى رجل طاعن في السن لان شقيقها ارتكب جريمة بحق احد ابناء هذا الشيخ او ان عائلة تهجر تحت مسمى (الجلي)من منطقة الى منطقة بعيدة لا لذنب معين بل لجرم ارتكبه فرد طائش من افرادها انا شخصيا اعرف احد الاشخاص قام ببيع كل شيء حتى حماره الذي يذهب عليه الى الحقل لغرض دفع (فصل)ليس له ذنب فيه.واكد في القانون الدولي واثناء الحروب تعطى فرصة تسمى فرصة الحل الاخيرة قد تتسبب في عدم نشوب حرب طاحنة بين طرفين وهي بالتاكيد ليست عطوة بالمعنى المفهوم لدينا لانها هنا محكومة بجملة سياسات دولية تختلف جذريا عن مشاكل الافراد ونتذكر ان الولايات المتحدة حينما اعطت فرصة الحل الاخيرة الى كوريا الشمالية ردت عليها الاخيرة باجراء تجربة ناجحة لاطلاق صاروخ بالستي متطور.ومن هنا اجزم ان الغاية الاساسية من اعطاء العطوة ليس فرض الحل السلمي بل الحصول على مكاسب ومغانم مادية ومعنوية ...